17‏/06‏/2015

التميز في نصف عقد

التميز في نصف عقد 

في عام ٢٠١٠ و تحديداً في اليوم التعريفي لجامعة قطر ، كنت اشعر الخوف و التوتر الذي يجتاح اي طالبة مستجدة، كان خوفي اكبر و همي اعظم لأنني كنت واعية ان مسؤليتي اعظم من غيري.. مسؤولية المتميز والمتفوق في الثانوية العامة في الابقاء على مستواه تكون اثقل من مسؤولية المجتهد..  الذي يود تجربة التفوق لأول مرة. 



كنت أتسائل طوال الوقت عن نوعية الرحلة التي سأعيشها في الجامعة ، خصوصاً في وقت كانت به جامعة قطر هي المعلاقة لكل التذمر و الشكوى في المجتمع. الداخل اليها بصحته ..خارج بمرضه.. والسعيد يشقى بها.. والمزيد من الافكار التي امتلىء بها ذهني و خاف بها قلبي على مستوى التدريس الذي سأحضى به كطالبة علم تود ان تتعلم بأكبر قدر ممكن. 
ظهر أمامي استاذ فاضل يدعى احمد ، كان يقوم بالترويج لبرنامج يدعى التميز الاكاديمي و كان يزودني بالمعلومات الكافية عن البرنامج و يسألني عن معدلي في الثانوية العامة. اخبرني بنصيحة منفصلة تماماً عن قبولي او عدم قبولي في البرنامج الذي يتحدث عنه. اخبرني ان القدرة على التميز هو بوجودك في بيئة اكثر تميزاً منك.. وهذا بالفعل ما ساعدني على التفوق لمدة خمسة سنوات تالية. 

استاذي المتميز احمد ابراهيم ، وتحدثت عنه في تدوينات اخرى .. 



اتذكر انني توجهت لمكتب التميز الاكاديمي الاسبوع الذي يليه والذي يليه لأثبت مثابرتي حتى تم قبولي.. وكان قبولي بمثابة تذكرة أمان لدخول البيئة المتميزة التي ستشعرني كما تأثير بجماليون النفسي ، حتى ينتهي بي المطاف لأن اكون كما يتوقعون مني و أفضل. 

كلما تحدثت بحماس عن مواضيع الفن الاستشراقي وعن الدروس في النقد الفني الذي كنت اتعلمها في مادة الفريشمن سمنار لأهلي و زميلاتي، و اجد علامات الاستغراب من هذه المواد و عدم التصديق بأنها اساساً تطرح في حرم الجامعة المتواضع برأيهم، ايقنت ان مواد البرنامج كانت شيئاً مختلفاً عن كل توقعاتي و توقعات من حولي. عندما كنت ازور المتحف الاستشراقي في قطر و اكتشف وجوده و ابحث عن تلك اللوحات التي لم تعرض بعد للعامة ، اشعر بنشوة الباحث و متعة الانفراد بالعلم والشرف الاكبر لأقف امام الفن كطالبة علم تبحث عن اجوبة متواضعة كتواضع تفكيرها الراغب بشدة في ان يتطور و يتطور.
عندما كنت اتوجه لأساتذة تخصصي لأحدثهم عن العقود الاكاديمية و برنامج التميز ، اسمع منهم فتاوى عديدة و نصائح لا منتهية بأن ابتعد عن اللخبطة في الخطط الاكاديمية وان هذا البرنامج مضيعه للوقت والجهد ولن يضيف لي أي اختلاف في شهادتي الاكاديمية. ايقنت ان التمسك بعضويتي للبرنامج شيئاً سيكون مشرفاً لهم قبل ان يدّون في شهادتي الاكاديمية. 
عندما كنت اجلس في مواد التميز الاكاديمي لأجد بجانبي طالبات يتحدثن عن معدلات تختلف عن بعضها اختلاف الاعشار و الجزأ من العشرة، وكلا المعدلات التي حولي تفوق بكثير المعدل الذي احتفظ به في شاشة البنر واخاف عليه من الحسد. ايقنت انني في المكان المناسب و التحفيز الانسب ان لا ارضى بهذه الدرجات ما دام حولي من استطاع ان ينجز اضعافها. و اكتشفت ان التميز مرهون بمستوى من حولك ، في حين اكون الاولى في مقاعد الدراسة للمواد التخصصية و لا تكاد اجابة طالبة من تخصصي ان تنافس اجابتي ، اجد نفسي انا الصامتة في مقاعد المحاضرات الخاصة ببرنامج التميز. لانه ببساطة معايير المنافسة والتميز والإبداع في صفوف التميز الاكاديمي لا تقارن بتلك التي نعيشها خارجه. 

التميز الحقيقي ليس في ان يكون معدلك ٤ / ٤ فقط. بل ان تكون لديك القدرة ان تنشر الوعي والتشجيع لزملائك المتميزين للأخذ بيدهم في رحلة النجاح. وهذا ما حصل معي ، فقد اصبحت لا ارادياً واجهة اعلانية للبرنامج و مستقطبة المواهب و موزعه تذاكر الدخول لواحة الامان للمتميزين لدى زميلاتي في التخصص، اللواتي كن يتوجهن لي للسؤال عن متطلبات القبول و غيرها من الاسئلة تماما كتلك التي كنت اوجهها مسبقاً على استاذي احمد ابراهيم. ولله الحمد تم قبول اربع زميلات مقربات لي في البرنامج وصار طعم الاجتهاد اجمل و أجمل. و العمل الجماعي في التخصص او خارجه اصبح اكثر سلاسة لان المعايير المرتفعه صارت مفهومه لدي و لدى زميلاتي. بل ان الاساتذه اصبحوا يقدرون اهمية البرنامج و اهمية تقديم نوعية تعليم مختلفة لنا و لغيرنا. وهنا تبدأ مهارات الطالب المتميز في المدافعه عن تميزه والتعبير عنه. 


لعل اصعب عائق يواجه الطالب المتفوق و المثابر هو ذبذبة الدافع سواء كان خارجي او داخلي. ولكنني اؤمن ان الدوافع كأستحمام العقل. يحتاجه كل يوم كما يحتاجه الجسد. اتأسف كثيراً على الواقفين بتميزهم لوحدهم ، دون برنامج يضمهم او زملاء يماثلونهم او اساتذة يقدرونهم. لان الرحلة تكون اثقل و اعقد و اصعب على النفس خصوصاً في مجتمع طلابي يسوده الاحباط و يتناول السلبية كل يوم مع كوب القهوة الصباحي. وهذا العائق ليس فقط متعلق فقط بالطلاب ، بل هو ملحوظ بدافعية الاستاذ المتميز الذي يختاره البرنامج ليطرح مقرراً متميزاً. نلاحظ الشغف العالي للاستاذ في مقررات التميز الاكاديمي المركزة في التعليم و المرتفعه المعايير و المتمركزة نحو الطالب المتوقع منه اكثر من الطالب العادي. فتزداد دافعية الاستاذ في تقديم اقصى ما لديه و اجمل ما عنده خصوصاً عندما تظهر درجات تفوق طلابه التي تثلج صدره وتحمم عقله ليأتي اليوم التالي بدافعيه اكبر للعطاء و التعليم. على العكس من الروتين المجهد للاستاذ الذي يخفض مستوى اداءه ليناسب الطلاب في المقررات العادي. حيث يخرج الطالب من مقرر التميز وهو يحمل على كتفيه اكبر من شرف الدرجات ، شرف المهارات المختلفة والمتنوعه التي يكون وجوده في مواد التميز اختصاراً لسنوات اكتسابها عند نظرائه خارج البرنامج. 




في عام ٢٠١٥ وبعد مرور نصف عقد على تعرفي ببرنامج التميز، اشعر بالامتنان لمن وقف في اول ايامي الجامعية و حدثني عن هذا البرنامج و اتاح لي ان ارى الرؤية التي كانت ابعد من آفاق خيالي و اصل إليها اليوم. مرتديه وشاح التميز و تاج المعرفة و وسام الحظ و رداء الفخر في اختياري بأن تكون تجربتي متميزة . وتلك المقررات المختلفة التي جعلتني طالبة ناقدة و محللة و باحثة و متحدثة و شجاعه في كسر ابواب العلم قبل انتظار ان يفتحها لي احدهم. للزميلات في البرنامج اللواتي كن افضل مني و ادخلني في سباق التميز معهن لأصل ولو لجزأ بسيط مما كن فيه ، لأستلم صولجان القدوة و أسلمه لغيري من بعدي. لذلك البرنامج الذي حقق لي امنيتي في ان تكون تجربتي الجامعية ذات مستوى عالي حتى وان كنت امشي على ذات الارضية مع باقي الطلبة. لتلك التذكرة التي كنت محظوظة في الحصول عليها ، حتى استهلكتها في اكتساب المهارات التي تقودني لمحطات ابعد من دائرة انجازي و رحلات اكثر تشويقاً و تعلماً . . 


شكراً لمن اوفى بوعده و اشترى لي اول هدايا التخرج ، فطيرة زعتر و حليب بنكهة الفراولة .. 






من شفيلد أحييكم .. ٢

 في بعض المرات، تخونني الذاكرة فلا أدرك ما الذي حدث قبل الآخر ؟  كل ما اتذكره أن اول معضلة كانت.. الحصول على مشرف يتبنى فكرة البحث الخاصة بي...