18‏/07‏/2019

تشابه حد الموت،، جمال حتى الحياة..




من أحد العجائب التي تحدث للمتعلّم أن الاجابات تؤتى على حين غفلة، منطوقة و مكتوبة وتتبخر أمامك قبل أن تلتقطها. 
وهذا ما حدث لي في بداية عملي في مكتبة قطر الوطنية، تعلّمت من الذين يعملون بها أكثر من الذين ألفوا الكتب التي تتراكم على رفوفها..

هذه التدوينة مهداة للفاضل السامي أستاذ الأدب الحقيقي عبدالله سعيد.. الذي كان من حظي السعيد العمل معه فترة وجيزة تغرقني من المعارف والحكمة ما يكفيني حتى لقائنا التالي..

كنا نتكلم في يوم عمل روتيني عن الأرواح، وعن أفكاري الطفولية التي ألتقطتها من كتاب عاشوا أضعاف عمري .. أو اكتسبتها من تجارب جرّدتني من عوامل التعرية الفكرية التي تختزن في جيناتنا الموروثة او تختزل في قصصنا الشعبية التي نسمعها قبل النوم.

كانت القصة أشبه بما يخترعه خريجي ماجستير الكتابة الابداعية و خريجي معاهد الكتابة الدرامية من أعرق مدارس الأدب و أكثرها كلاسيكية. ولكنها رغم وضوحها يكمن غموضها و تكمن كينونة الأشياء في تفاصيل الحقائق.

القصة بدأت عندما حكى لي عن قصيدة .. لشاعر من اللامنتمين لأي مدرسة أدبية او من يختبأ وراء عقيدة أدبية. وهو الشاعر السوداني أبن النيل الازرق.. التيجاني يوسف بشير .. 



الوجود الحق ما اوسع في الأنس مداه

والسكون المحض ما اوثق بالروح عراه

كل ما في الكون يمشي في حناياه الإله

هذه النملة في رقتها رجع صداه

هو يحيا في حواشيها وهي تحيا في ثراه

وهي ان اسلمت الروح تلقتها يداه

لم تمت فيها حياة الله إن كنت تراه

تعجبك القصيدة، و يعجبك الكثير مما يجعل متذوقي الأدب والشعر في نشوة الخيال و بلاغة الحروف المتصافة كسمفونية لا يشوبها نشاز ولا يكسرها وتر.

ولكن المذهل .. هو الشاعر.. توفي التجاني يوسف بشير سنة 1937 م، عن عمر يناهز الخامسة والعشرين. وكان سبب وفاته ينجم عن جرثومة (المتفطرة السلية) التي تصيب الرئتين في معظم الأحيان. 

أنفطر قلبي عندما أكمل الاستاذ عبدالله حكاية الشاعر الآخر جون كيتس.. وهو إيضاً من الرومانسيين اللا منتمين 



هذا الشاعر الذي كتب قصائده و هوجمت بالإنتقاد حتى توفي.. و انبثقت نجوم ابداعاته في السماء بعدما غطاه رماد النجوم تحت التراب..


Fade far away, dissolve, and quite forget 
         What thou among the leaves hast never known, 
The weariness, the fever, and the fret 
         Here, where men sit and hear each other groan; 
Where palsy shakes a few, sad, last grey hairs, 
         Where youth grows pale, and spectre-thin, and dies; 
                Where but to think is to be full of sorrow 
                        And leaden-eyed despairs, 
         Where Beauty cannot keep her lustrous eyes, 
                Or new Love pine at them beyond to-morrow. 


ولد الشاعر 31 أكتوبر لعام 1795 و توفي عام 1821.. و اختصاراً للعمليات الحسابية.. توفي بعمر ال25 عاماً وبسبب السل! تماماً كما الشاعر التيجاني الذي ولّد بعده و توفي بذات الاسباب و في تمام العمر الذي لفظته ارواحهم..

هذا التشابه الذي يكون حد الموت.. و جماله حتى الحياة التي خلّدتهم تكريماً لروحانيتهم و شفافية مشاعرهم التي لم تتحملها اجسادهم...

وقد قال استاذي عبدالله.. 


" شكرا ايمان . كنت محبا للشعر وقارئا جيدا حينها. لفت نظري التشابه في قصة حياتها، مرضهمها، موتهما المبكر وشاعريتهما الغريبة. امتلكت بالصدفة ديوان التجاني المسمى اشراقة ومجموعة كيتس الشعرية الكاملة طبعة ١٩٠٢م وشدني ما وجدته من تشابه في قصيدتين، الصوفي المعذب Ode to  a Nightingale 
فكانت المقارنة فيما يعكسان من رؤية اللامنتمي بتعبير كولن ويلسون ، للحياة والشعر. واللامنتمون كانوا دوما مبدعون مروا على الحياة دون ان يحسهم احد في زمانهم. لانهم ولدوا في الزمان الخطأ كما يعبرون عن انفسهم." 


يا ترى؟ هل لنا في هذه الحياة توأماً يولّد قبلنا او بعدنا او حتى أثناء وجودنا ؟ 
وهل هناك فرصة للقاء توأم الروح؟ 
وهل نستحق أن نعيش سوية قبل الموت و ما بعده ؟ 
او سؤالاً اعمق من ذلك .. هل سنجد الذين ينظرون للحياة مثلنا كما نظر الشاعرين رغم تباعد وجودهم لأكثر من مئة عام...


كما قال التيجاني.. نحن لا نعرف عن الحياة أكثر مما أكرمنا الله بمعرفته..

.. هذه الذرةُ كم تحملُ في العالم سراً!
قف لديها وامتزج في ذاتها عمقاً وغورا
وانطلق في جوِّها المملوءِ إيمانا وبرّا
وتنقَّلْ بين كبرى في الذراريِّ وصُغرى
ترَ كلَّ الكون لا يفتر تسبيحاً وذكرا









من شفيلد أحييكم .. ٢

 في بعض المرات، تخونني الذاكرة فلا أدرك ما الذي حدث قبل الآخر ؟  كل ما اتذكره أن اول معضلة كانت.. الحصول على مشرف يتبنى فكرة البحث الخاصة بي...